المقالات

ثرثرة على المحيطين

في زمن الأفلام المصرية الجادة، صدر فيلم ثرثرة فوق النيل للكاتب الكبير نجيب محفوظ. وكانت الثرثرة فيه تدور على معدية في النيل، يحاول أصحابها تخطي مأساة الهزيمة التي وقعت عام 1967، لكنها كانت ثرثرات يشوبها أجواء غير مريحة من تعاطي الممنوعات وما شابه، حسبما صوّر الفيلم.

لكن الثرثرات التي “فوق المحيطين” مختلفة، فهي بالكوم! ففي كل يوم نسمع تصريحًا أو أكثر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكثير من هذه التصريحات يعود وينفيها بتصريح آخر، أو يتجاهلها وكأنه لم يقلها.

من أشهر تصريحاته أنه لو كان رئيسًا لأمريكا، لما نشبت حرب أوكرانيا، ولم تحدث أحداث 7 أكتوبر. ومن تصريحاته “المرسَلة” بلا منطق ولا دراسة، اقتراحه نقل سكان غزة إلى مناطق أخرى، وتحويل غزة إلى “ريفيرا الشرق الأوسط”، وكأنه يتحدث عن محمية طبيعية يريد نقلها من موقع إلى آخر! ونسِي أن هناك بشرًا يعيشون على تلك الأرض منذ آلاف السنين، وأن المحتلين الإسرائيليين هم من يُفترض التفكير في نقلهم، وربما إلى ألاسكا، فهناك مساحة واسعة والجو بارد، لعل وعسى تبرد أعصاب نتنياهو، وينجو من محاكمة الفساد، ومعه سموتريتش وبن غفير وبقية “شلة العصابة الصهيونية”.

وإن كنت أشك في إمكانية ذلك، فربما تكون أول مهامهم هناك إذابة الثلوج بنتيجة أفعالهم الجهنمية، واشتعال نفوسهم الحاقدة، ليس فقط على الشعب الفلسطيني، بل على كل العرب.
وادّعى فخامته أن هناك دولًا وافقت على استقبال الفلسطينيين، بينما هذه الدول نفسها نفت ما قاله.

وبمناسبة الحديث عن إسرائيل، رأيت سفير أمريكا لدى إسرائيل وهو يذرف الدموع عند “حائط المبكى”، ويقول إنه مكلف من الرئيس بالصلاة لإسرائيل ورهائنها. ومن حسن الحظ أنه لم يصلِّ لفلسطين ولا للخمسين ألفًا الذين قُتلوا في غزة، فصَلاته لا تلزمهم.

ومن أقوال الرئيس في حملته الانتخابية، أنه سيحل أزمة روسيا وأوكرانيا ويوقف الحرب في 24 ساعة! وكأنها خصومة بين صديقين، ويتدخل ليقول “تكفون امسحوها في وجهي، وكلٌّ يصلّح سيارته”!
المسألة الأوكرانية عويصة جدًا، ولا يمكن لزيلينسكي أن يقول “حاضر وسم”، فالمطلوب منه التنازل عن عدة مناطق، وهناك برلمان له الكلمة العليا، وفوق هذا، تلك المطالب دونه خَرْط القتاد حتى تُنفّذ، إن قُبلت أصلًا.

أما موضوع الرسوم، فكانت تصريحات، ثم تحولت إلى قرارات جزافية أقلقت العالم، بما في ذلك أمريكا نفسها، وستعاني الاقتصادات منها. ونتيجة ضغط ردود الأفعال، تراجع وأعطى مهلة 90 يومًا لمراجعتها مع كل بلد على حدة.

وتصريحه عن إقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي بحجة أنه غير صالح ولا يفقه في الاقتصاد، ثم تراجعه لاحقًا بناء على نصائح من حوله، كان مثالًا آخر.

وأما تصريحاته عن ضمّ غرينلاند وبنما “بالطيب أو الغصب”، فقد لاقت ردود أفعال مستنكرة من أهل الأرض ومن داعميهم، وكانت ردودًا منددة وشاجبة، ويبدو أنه اختار الصمت بعدها.

شخصية ترامب عنيدة، تميل إلى إظهار القوة و”الأنا” في الوقت نفسه. ظهر في أحد البرامج دكتور متخصص في التحليل النفسي، تحدث عن شخصية ترامب، وقال إن والد ترامب كان شديدًا، وكان يتحامل على أخيه الأكبر ويضربه باستمرار، فبدلًا من أن يتعاطف ترامب مع أخيه، مال إلى جانب والده.

ترامب من الشخصيات الجدلية التي سيسجل لها التاريخ ما لها وما عليها، وأخشى أن ما عليها سيكون هو الأبرز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى