المحليةعبدالله سعيد الزهراني

أمن الحجاج في العهد السعودي(2)

تحدثنا في المقال السابق عن حالة امن الحجاج قبل العهد السعودي وما كانوا يعانون من حالة الخوف , وفي هذه الأجواء المظلمة والصعبة على ضيوف الله وحجاج بيته وبعد فقدان الأمن وتجرع الظلم والقهر والهوان والمكوس التي فرضت على الحجاج جاءت تباشير الصباح ، حيث تلطف المولى عز وجل بعباده ورحمهم بأن سخر لهذه البلاد رجلاً ، جمع الكلمة ولم الشعث وحكم فيها شرع الله تعالى فاجتمع الناس عليه ووحد البلاد وهو مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله ، حيث عقد العزم منذ توليه الملك على بسط الأمن ، وتأمين طرق الحجاج وتوفير الأمن في الحرمين الشريفين وكافة أنحاء البلاد وقد طبق الشريعة الإسلامية في كل مناحي الحياة مما جعل أحكام الشريعة الغراء تتمكن في قلوب الناس بادية وحاضرة ،

كما قام الملك عبد العزيز بخطوة كبيرة لترسيخ الأمن في طرق الحجاج وهي إصلاح شئون البادية ، فتحسنت إخلاق الأعراب من الفساد , وتوقف الغزو بينهم ، حيث تفهم الجميع أن الملك عبد العزيز قد جعل تأمين طرقات الحجاج وغيرهم جزء هام من أركان الدين ، ويصف الكاتب والمؤرخ أمين الريحاني تحول الحالة في جزيرة العرب من الخوف والظلم والنهب والسرقة إلى الأمن والرخاء في تلك الفترة ويقول : ( إذا كان العدل أساس الملك فالأمن أول مظهر من مظاهر العدل ) ويؤكد كلامه بقوله ( إن المسافرون من قطر إلى قطر وفي القوافل التي تسير أربعين يوماً في ملك ابن سعود من طرف إلى طرف من القطيف مثلاً إلى أبها ، ومن وادي الدواسر إلى وادي السرحان دون أن يتعرض لها أحد من البدو أو الحضر) ويضيف قائلاً ( إن القلاع التي بناها الترك في الطريق إلى الحسا هي اليوم مهجورة متهدمة ، فالقوافل تسير ثمانمائة ميل شرقاً وغرباً ومثلها جنوباً وشمالاً في ملك ابن سعود، وهي تدعو له بطول العمر وشكر الله) .

ومن إجراءت الأمن التي اتخذها الملك عبد العزيز لتوفير الأمن وبسطه أنه أمن رؤساء القبائل والعشائر على أنفسهم وطمأنهم على عوائدهم مع اشتراط حفظ الأمن في حدود أراضي قبائلهم وتحميل رؤساء القبائل مسئولية كل صغيرة وكبيرة تحدث في ديارهم ، وفي الحاضر قام بإسناد مهمات الشرطة لحرسه الخاص في مكة المكرمة ، ثم أرسل مفارز صغيرة ثابتة من الجنود إلى القرى والمدن لتولي حفظ الأمن مع تسيير دوريات متنقلة في شتى أنحاء البلاد ويقول أمير البيان شكيب ارسلانالذي حج في عام 1348هـ أي بعد خمس سنين فقط من دخول الملك عبد العزيز مكة المكرمة ( أما الأمان فقد توافر في أيام ابن سعود إلى حدّ لا يتطلع فيه متطلع إلى مزيد وإنما نرجو دوام هذه النعمة ) . وقال : ( لو لم يكن من مآثر الحكم السعودي سوى هذه الأمنة الشاملة الوارفة الظلال على الأرواح والأموال التي جعلت صحاري الحجاز وفيافي نجد آآمن من شوارع الحواضر الأوروبية لكان ذلك كافياً في استجلاب القلوب واستنطاق الألسن في الثناء عليه) .
كما يسجل المؤلف عباس متولي في كتابه ( مشاهداتى في الحجاز ) ما لمسه من توفر الأمن في طرق الحجاج ويقول بعد أن تعطلت بهم السيارة في الطريق من مكة المكرمة للمدينة المنورة وتجمع الأعراب عليهم حيث قال : ( جاء بعض الأعراب يطلبون إحساناً ، فتقدم إلى أحدهم يطلب مني صدقة فأعطيت غيره متظاهراً بالغني والثراء ، فقال أعطني يا حاج ، فقلت خذ ما تريد من جيبي ! فقال : حرام عليك وما جنيت ؟ أتريد قطع يدي لا يابوي لا أطلب شيئاً .
فقلت : إننا في عزله عنهم .
فقال : إنهم يرونني حتى في داخل هذه المغارة .
فدهشت لهذا ورددت قول سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ( إن الله ليزع بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن وأعطيته ما تيسر ) ، ولقد مكثنا في مكاننا إلى ساعة متأخرة من الليل أحضروا أثناءها الماء واللبن وأكرموا وفادتنا من غير أن يتعرض أحد منهم لنا بسوء . ويقول : ( استتباب الأمن بهذا الشكل لم يوجد في الحجاز إلا بعد تنفيذ قانون الله ، وإقامة حدود العليم الخبير ) .

كما قام الملك عبد العزيز بعد استتاب الأمن للحجاج بإلغاء الرسوم التي تؤخذ على الحجاج باسم رسوم الحج اعتباراً من عام 1371هـ ، ومن تمام نعمة الله تعالى على هذا الملك الصالح وعلى هذه البلاد العصيبة التي تحتضن الحرمين الشريفين أن رزق المولى عز وجل هذا الملك أبناء برره سلكوا مسلكه وترسموا خطاه حتى أثمرت شجرة الأمن التي زرعها والدهم المؤسس وحافظوا عليها في عهد الملك سعود ، ثم الملك فيصل ، ثم الملك خالد ، ثم الملك فهد ، رحمهم الله جميعاً ، حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز حيث أصبح الأمن في هذه البلاد أنموذجاً يتحذى به وهو مكسب غال ينبغي المحافظة عليه ، وقد ساهم توفر الأمن في مكة المكرمة والمدينة المنورة خصوصاً والمملكة العربية السعودية عموماً لتزايد عدد الحجاج ، حتى اقترب من 3 ملايين حاج عام 1406هـ ، فاجتمع المسئولون في المملكة مع منظمة المؤتمر الإسلامي التي حددت ألف حاج لكل مليون نسمة في البلاد الإسلامية .

 

[ALIGN=RIGHT][IMG]https://www.makkahnews.sa/image/magal.jpg[/IMG][/ALIGN] [ALIGN=RIGHT][URL=https://www.makkahnews.sa/articles-action-show-id-681.htm]أمن الحجاج والمعتمرين (1)[/URL][/ALIGN]

عبدالله سعيد الزهراني

باحث في تاريخ وآداب المسجد الحرام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى