اللافت للنظر في قضية مقتل المتضامن الايطالي “فيتوري اريغوني” ان جميع اطياف وافراد الشعب الفلسطيني ادان بشدة هذه العملية، والكل في الضفة وغزة وداخل حدود الخط الاخضر وفي الشتات يبكي الما وحرقة على فقدان هذا الشاب الجميل الذي ترك بلاده من اجل نصرة قضية اخلاقية وعادلة، ومن اجل فك الحصار عن غزة التي يسمع عنها من والده المريض الذي يحكي له عنها وعن صلف الاحتلال وعن مؤامرات الصهيونية الحاقدة ومن والدته التي تعمل ك -رئيس بلدية في ايطاليا- وتخصص صندوق مالي من اجل مساعدة اطفال فلسطين، فقد احب الشعب الفلسطيني اكثر مما احب خطيبته التي استأذنها للرحيل لغزة يوم ان ودعها في ايطاليا..
ولعله يبعث شيئا من العزاء للنفس المجروحة بفقدان هذا المتضامن هذا الكم من الحزن ومن الاستنكار الشعبي الفلسطيني، حيث شكلت هذه الحادثة الفردية الاستثنائية جرحا غائرا لكل من يتمتع بقدر عال من الانسانية والشعور بالمسئولية، وما يبعث على العزاء ايضا ويخفف من وطئة الالم ان مرتكبي الجريمة ليسوا فلسطينيين بل من خارج حدود فلسطين ولا يمثلوا فكرا او ينفذوا مخططا، فهم اخذوا على عاتقهم ان يخطفوا هذا المتضامن بعد ان اعياهم واضناهم البحث عن فريسة وهدف سهل للخطف.. وما عرفناه مؤخرا – ولعلي اكشف سرا الان للقراء- ان الخاطفين استغرقوا وقتا وهم يبحثون عن اي اجنبي ، فلم يكن فيتوري بالضرورة وبالتحديد هو المراد والمطلوب ولكن المحاولات كانت مستمرة لخطف اي متضامن ( يبتعد قليلا عن موقع سكناه او الدوائر الامنية التي توفر له الحماية) للضغط على الحكومة للافراج عن احد قادتهم في السجون. وكان قدر فيتوري ان يكون هذا اخر يوم له في غزة وفي حياته كلها، حيث كان الاكثر نشاطا وتحركا واطمئنانا وذلك للطيبة والمحبة والتسامح والتفاؤل الذي يملأ قلبه ويلون جوارحه ومشاعره.
ان ملابسات الخطف وسرعة القتل تدل على عشوائية وتخبط وجهالة لا يمكن ان تكون جزءا من اي فكر لجماعة اسلامية ترفع راية الاسلام وتدعو حقا له.
وقد دعونا في مقال سابق الحكومة في غزة واجهزتها الامنية بضرورة ملاحقة القتلة ومحاكمتهم امام الملأ ليعتبر كل من تسول له نفسه بالقتل او المشاركة فيه والكف عن ترويع المسلمين او الاعتداء على الامنين واهل الكتاب الذميين، وقد اكدنا في نفس المقال ان هذا الامر لم يرتق لمستوى الجريمة المنظمة، وانه حادث فردي لن يتكرر . وبرغم بشاعة الحادث الا انه لن يؤثر على حركة التضامن العالمي مع فلسطين ولن يقلل من نسبة التعاطف.
اذ لا يمكن ان يكونوا هؤلاء القتلة الجهلة يرضون رب العالمين بهذه الفعلة، اذ كل المسلمين في شتى بقاع الارض غضبوا لهذه الفعلة وكل فلسطيين بجميع افرادها ومثقفيها وأمييها استنكروا هذه الفعلة وصدموا ولم يصدقوا بان يحدث ذلك،، ويقول سيدنا علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه ” من اصلح ما بينه وبين الله .. اصلح الله ما بينه وبين الناس” وهؤلاء القتلة ما بينهم وبين الناس مسافة كبيرة من الكره والغضب وليست المحبة والرضى.
ويقول ايضا سيدنا علي رضي الله عنه “مَن سَل سيف البغي.. قُتِلَ به”، ولا عزاء للقتلة، وجائتنا الاخبار قبل قليل بانه قد تمت عملية معرفة المكان الذي يحتمي فيه القتلة في النصيرات ، وتمت محاصرتهم وحسب رواية وزارة الداخلية فقد انتهت العملية بقيام احدهم بالقاء قنبلة على رفيقيه أدت لمقتل احدهما واصابة الاخر ثم اطلق النار على نفسه. وقد كانت هناك محاولات دبلوماسية لاقناعهم بتسليم انفسهم وتمت الاستعانة بالرجل المسجون باخراجه لاقناعهم ولكن دون جدوى. فسبحان المنتقم الجبار وصدق من قال ” من قَتل يُقتل ولو بعد حين”.
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]فهمي شراب[/COLOR] كاتب – فلسطين – غزة[/ALIGN]