يتشكي الكثير من الآباء والأمهات، من عدم حديث أبناءهم معهم حول طموحهم ومشاكلهم، أحلامهم وآمالهم، مشاكلهم وأصدقاءهم، يقولون: إن أبناءنا يبتعدون عنّا يوماً بعد يوم، عندما نسألهم عن أحوالهم فلا يجيبون إلا بأضيق الحدود، يخفون عنّا ما يطلعون أصدقاءهم عليه بكل رحابة صدر، ودائماً نكون نحن آخر من يعلم بالأحداث الهامة في حياتهم اليومية.
أما الأبناء فيقولون: لا يستمعون والدينا لنا عندما نريد أن نطلعهم على أخبارنا وأفكارنا، نحن في وادٍ وهم في واد، وكلما فكرنا أن نقترب منهم، وجدنا منهم التوبيخ والقسوة، فنبتعد عنهم مخافة غضبهم وعقوبتهم.
هذا واقع بسيط لما يعانيه بعض الآباء والأمهات والأبناء، طالما أن ثقافة الحوار معدومة بينهم .إن الحوار يشكل قناة مهمة وفاعلة للتواصل بين أفراد الأسرة ومن ثم المجتمع, إلى جانب دوره الكبير في التصدي للكثير من المشكلات والانحرافات السلوكية والفكرية للأبناء، حيث يُعزي وجود الكثير من تلك المشكلات إلى غياب ثقافة الحوار بين الوالدين وأبنائهما وأبلغ مؤشر على ذلك هو ارتفاع حجم القضايا الأسرية المنظورة أمام المحاكم والمرتبطة بقضايا العنف الأسري وتشرد الأبناء وحالات الطلاق المتعددة وغيرها،
إن التفاعل بين أفراد الأسرة الواحدة عن طريق المناقشة، والحديث عن كل ما يتعلق بشؤون الأسرة من أهداف ومقومات وعقبات ووضع حلول لها بتبادل الأفكار والآراء الجماعية حول محاور عدة، مما يؤدي إلى خلق الألفة والتواصل وتحسين العلاقات الاجتماعية وغرس القيم والسلوكيات السليمة في نفوس الأبناء والقيام بواجباتهم عن احترام وبأسلوب الترغيب والبعد عن الترهيب وتبادل الأفكار مما يساعد على وجود الروابط القوية بين الوالدين والأبناء على أساس المودة والرحمة والاحترام المتبادل .
إن غياب ثقافة الحوار والشفافية والمصارحة داخل الأسرة، سيفضي حتماً على وجود شخصية مهزوزة وغير متزنة لدى الأبناء و يجعلهم غير قادرين على التعامل مع الآخرين ، حيث تعتبر الأسرة هي الأساس في تشكيل شخصية أفرادها وهي المجتمع الصغير الذي يتعلم فيه الأبناء كيفية التعامل مع بعضهم البعض داخل الأسرة والتعامل مع أفراد المجتمع الخارجي .
وأضف لذلك الجفاف العاطفي داخل الأسرة و البحث عن البديل وربما كان الهاوية بالنسبة لأي فرد لا يجد من يستمع له ، فانجراف الكثير من الشباب إلى الخطيئة سببها هو تنشئتهم وعلاقتهم الغير حميمة داخل أسرهم حيث لا يجدون فيها من يخاطبهم ويحاورهم ويجيب عن تساؤلاتهم .
وأيضاً ظهور العنف الأسري وعدم احترام كل طرف لأراء الآخر والسعي إلى فرض رأيه أما عن طريق الترهيب أو برفع الصوت أو ممارسة السلطة الأبوية أو الزوجية. وظهور المشاكل النفسية المترتبة على انقطاع لغة الحوار في داخل الأسرة سواء بين الأزواج مع بعضهم أو بين الآباء وأبنائهم ، ففي مؤتمر “التربية الوجدانية للطفل”القاهرة: خرج المؤتمر بتوصية إنه لابد من إيجاد لغة الحوار بين الوالدين والأطفال لما لها من مردود إيجابي على التربية الوجدانية للطفل ، فانعدام الحوار يجعل من الفرد إنساناً معزولاً رافضاً لشتى أساليب الحوار والمناقشة مع الآخرين في حياته المستقبلية ، فيغلب عليه طابع الانطوائية .
إن غياب ثقافة الحوار الأسري يعود إلى تباين المستوى الثقافي والعلمي بين أفراد الأسرة و انشغال كل من الأب والأم بأعمالهما ومهماتهما بعيداً عن الأبناء والمنزل .
والجهل بأساليب الحوار الفعالة واختلاف معطيات العصر من جيل لأخر ,فجيل الآباء يختلف عن الأبناء بالإضافة إلى والترف ووسائل الاتصالات الحديثة حيث انشغل الأبناء بالهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر فابتعدوا عن أسرهم وانقطع الاتصال الحواري …