خلال السنوات والأشهر الماضية حدثت عدة تغيرات في صناعة النقل الجوي الداخلي بالمملكة العربية السعودية هذه المتغيرات لم تصب مطلقاً في مصلحة المواطن وفي الرحلات الداخلية وعندما أتحدث هنا عن هذا الموضوع فأنا أتحدث من واقع عملي في هذه الصناعه طوال 27
عاماً بدأتها موظفاً بدرجة صغيرة وأنهيتها بوظيفة تنفيذية ضمن الوظائف العليا في الخطوط السعودية وأكملت عملي في قطاع له علاقة بهذا الموضوع كذلك لمدة 4 سنوات حتى الآن وهو قطاع السياحة في المملكة.
ومن هذه المتغيرات في صناعة النقل الجوي السعودي المحلي دخول شركات طيران جديدة سما / ناس وبالتالي خروج الخطوط السعودية من عدد من خطوط السير الداخلية منذ أكثر من 3 سنوات حيث قامت هيئة الطيران المدني باعتماد خطوط إلزامية لكل شركة من الثلاث الشركات الطيران في ذلك الوقت دون النظر لأي اعتبارات أخرى ومنها أن الشركات الجديدة سما/ ناس شركات اقتصادية منخفضة التكاليف تعتمد على البيع النقدي وتعدد السعر الذي يعتمد على مدة شراء التذكرة, وكذلك عدم وجود موضوع الشحن لديهم أو نقل الصحف أو قبول التذاكر الحكومية أو المرضى وخلافها, وهذا هو المعمول به دولياً, إضافة إلى قيمة الوقود ورسوم الإقلاع والهبوط ومواقع الخدمة وغيرها.
ولكن ما حدث عند التطبيق أن هناك أمور تداخلت فيها عوامل عديده وأنظمة وإجراءات حكومية من جهة وإدارة كل شركة برؤية من ملاكها والقائمين عليها حسب خططهم من جهة أخرى, ولم يكن بداً من أن تتدخل هيئة الطيران المدني وتحاول إصلاح الخلل والخطأ ولكن للأسف لم تكن هناك حلول ناجحة كما يراها المستهلك (المسافر داخلياً), وفي نفس الوقت فإن جميع شركات الطيران الوطنية الثلاث (السعودية / سما / ناس) يؤكدون أن سوق النقل الداخلي غير مربح كلياً ولا بد للبقاء في هذه الصناعة من الاعتماد على النقل الدولي, وهذا ما حدث بالفعل حيث أعادت الخطوط السعودية جدولة ساعات العمل التي كانت تعملها في الداخل (والتي نقلتها هيئة الطيران المدني لشركتي سما وناس بنظام الخطوط الإلزامية) إعادة برمجتها لرحلات دولية مربحة بلا شك وبقيت شركتي سما وناس تدور حول نفسها إلى أن اضطرت لاستباق الزمن وقامت بتشغيل رحلاتها الدولية لتغطي خسائرها الداخلية قبل انتهاء المدة المسموح لها بالتشغيل.. ولم تستطع إحداها الصمود وهي شركة سما واتخذت قراراً مصيرياً بتعليق رحلاتها..
ومن هنا كانت النتائج المنعكسة على المواطن والمسافر المحلي سلبية وهو الذي كان يمني نفسه بالوعود التي سمعها عند فتح الرخص للمشغلين الداخليين وهذه النتائج للأسف انعكست سلباً على جميع الأوجه الاجتماعية والاقتصادية والسياحية بل وحاجة المريض والمعاق لمقعد بين مدينة وأخرى وكلاهما في السعودية في الوقت الذي كان يستطيع أن يسافر فيه أي شخص لأي بلد في العالم من خلال المطارات الرئيسية جدة الرياض الدمام المدينة لوجود أكثر من 45 شركة طيران غير سعودية, وبدا الجميع يترقب تدخل الطيران المدني لإيجاد حلول لهذا الموضوع, ولكن المواطن لا زال يبحث عن حل. في الوقت هذا يؤكد مدير عام الخطوط السعودية المهندس خالد الملحم دوماً وآخرها في منتدى جدة الاقتصادي الأخير في جدة أن التشغيل في الداخل مخسر وأن الحل (هو السماح برفع أسعار الرحلات الداخلية), ومع احترامي لرأي معاليه إلا أن هناك حلول يمكن عملها قبل الوصول لهذا الحل الذي سيضيف أعباء على المواطن غير مبررة وعلى الدولة نتيجة زيادة مبلغ المديونية من جراء التذاكر الحكومية, في الوقت الذي نلمس فيه كمواطنين الإعلانات التي تعطي الراكب (مواطناً أو مقيماً) حق السفر من جدة للندن بدءاً بمبلغ 900 ريال ولكن هذا الراكب (المواطن والمقيم) عند سفره في الداخل عليه أن يدفع للسفر بين جدة والدمام وجدة مبلغ 780 ريالاً وبين القصيم ونجران مبلغ 1040 ريالاً (عبر جدة) و (الرياض) 840 ريالاً. وهذه مؤشرات دون أن أدخل في تفاصيل سعر الدرجة الأولى ورجال الأعمال بين مدن المملكة!
من هذا يتضح أن هناك نشاطين أحدهما رابح والآخر خاسر أو كما يقال كيكة ربحانة وهي الرحلات الدولية وكيكة خسرانة وهي الرحلات الداخلية. والغريب في الأمر أن هيئة الطيران المدني اتخذت قراراً إستراتيجياً خلال الأشهر الماضية بالسماح لثلاث شركات دولية بالعمل من مطارات داخلية لخدمة الركاب الدوليين (مواطنين ومقيمين وعمالة) وهي الشركة السعيدة من اليمن وشركة فلاي دبي من الإمارات وشركة النيل للطيران من مصر باستخدام الحرية الثالثة والرابعة في النقل الجوي في السوق السعودي وهي أن تشغل هذه الشركات غير السعودية رحلاتها مباشرة من وإلى مدن سعودية داخلية مثل أبها والقصيم وينبع وستتبعها مدن أخرى, وبالتالي أصبح المواطن السعودي يستطيع أن يسافر وبسهولة تامة من القصيم إلى دبي وصنعاء ومصر ومنها إلى دول العالم من مطار القصيم ولكنه لا يستطيع أن يسافر إلى نجران أو أبها بنفس السهولة ونفس الحال المواطن في أبها والمواطن في ينبع ومستحيل يسافر لحائل أو الجوف بل لن يستطيع بسهولة أن يزور المدينة المنورة وغيرها, ونفس الحال لبقية المدن, وهنا يتم طرح السؤال، أين المصلحة العامة هنا؟ وإجابتي التي قد يراها البعض خاطئة هي أن المصلحة في الأول والأخير ستكون لشركة الطيران الغير السعودية لتستفيد من تحويل حركة الطيران الدولية للعمالة والمواطنين والأجانب من هذه المدن وبالتالي سحبت نسبة كبيرة من أرباح شركات الطيران الوطنية الحالية (الخطوط السعودية / ناس) وقد انعقدت خلال الشهر الماضي ندوة ضمن فعاليات ملتقى السفر والاستثمار السياحي السعودي الرابع الذي نظمته الهيئة العامة للسياحة والآثار, هذه الندوة تحدثت عن أثر الإجراءات الحكومية في الاستثمار وفي السياحة الداخلية, وكان الزميل الكابتن محمد جمجوم من الهيئة العامة للطيران المدني أحد المشاركين في هذه الندوة.
وكان لي مداخلة في هذا الشأن أكدت على ما جاء بمعاليه وطرحت تساؤلاً أعيد طرحه هنا، وهو لماذا سمحت هيئة الطيران المدني السعودي لشركات طيران غير سعودية بانتزاع لقمة مربحة من الخطوط السعودية والشركتين الوطنيتين ناس و سما ولم تفرض على هذه الشركات الغير السعودية أن تساهم في مشاركة الشركات السعودية في الكيكة الخسرانة وفي إلزامهم بالتشغيل بخط سير داخلي بحت قبل بدء رحلتها الدولية من المطار المحلي؟ ولمن تعود عليه المصلحة في الأخير؟ (الإجابة بالطبع لهذه الشركات غير السعودية).
والغريب ما صدر عن مجلس الشورى يوم الاثنين 30 ربيع الثاني من توصيته بالسماح لشركات الطيران الخليجية بتسيير رحلات داخل المملكة (وهو أساساً لم يكن له أي دور في السماح لتلك الشركات بالنقل الدولي للسعيدة أو فلاي دبي أو طيران النيل الذين استفادوا من اقتصاديات المملكة بل وسحب أرباح كانت ستبقى للشركات الوطنية وبقاء المواطن يراوح مكانه في صعوبة السفر الداخلي أما السفر الدولي فالمجال سهل ومتاح جداً له بل وفي الأوقات المناسبة جداً).. إضافة إلى أن قرار مجلس الشورى هذا سيجعل شركات الطيران الخليجية تقوم بجدولة رحلاتها بنقطة متوسطة محلية كمثال كما يلي (دبي الرياض حائل الرياض دبي) وهنا ستقوم هذه الشركات عند فتح نظام الحجز بإقفال خط سير الرياض حائل الرياض أو إعطائه نسبة 10% أو 20% لكي تترك المقاعد الأخرى متاحة للحجز الدولي لتحقيق الأرباح ومن هنا سنعود لنفس الحال. لأن في ظاهر هذا الخط هو نقلها لركاب بين الرياض وحائل والعكس ولكن الواقع غير صحيح.
وهنا أطرح حلين وأضمن نجاحهما إذا تحققا بالصورة المنهجية وهما كما يلي:
الحل الأول:
موجه لمعالي رئيس هيئة الطيران المدني الجديد الدكتور فيصل الصقير أن يتبنى الفرض على هذه الشركات وأن تساهم في خط محلي داخلي ذهاباً وعودة (راكب داخلي فقط) مستقل عن خط سيره الدولي قبل أن يقلع بركابه الدوليين من أبها والقصيم وينبع وحائل وغيرها بمعنى (أبها حائل أبها فقط) دون أن يسمح له بالتوقف في محطة متوسطة قبل بدء رحلته الدولية من أبها لدبي أو (القصيم نجران القصيم) أو غيرها. على أن يكون وصوله للمملكة للمطار المحلي أولاً وليس للرياض وجدة والدمام.
الحل الثاني:
موجه لمعالي رئيس مجلس الشورى التعديل على قرارهم الأخير بأن تلزم شركات الطيران الخليجية بتسيير خط داخلي فقط (من وإلى) وكمثال (حائل الرياض حائل فقط) قبل أن يقلع من حائل لدبي على أن يكون وصوله للمملكة للمطار المحلي أولاً وليس للرياض وجدة والدمام (لا أعلم لماذا لم يشاركون في القرار السابق للسماح للشركات السعيدة / فلاي دبي / طيران النيل بالرغم من أهميته لأنه يستنزف من الاقتصاد المحلي).
أعلم تماماً أن هذه المعلومات متداخلة ولكنها صناعة النقل الجوي وقد يحتاج أخي مسؤول الطيران المدني أو عضو مجلس الشورى أو القارئ أن يعيد قراءة الموضوع مرة أخرى. مؤكداً أن الأمر يحتاج لبحث دقيق إذا كنا فعلاً سنعمل على دعم المواطن والمقيم واقتصاديات البلد للنقل الداخلي الحقيقي فقط وليس الداخلي الدولي, وعلينا أن لا نكرر أخطاء القرارات السابقة.
[ALIGN=LEFT][COLOR=crimson]المدير التنفيذي للهيئة العامة للسياحة والآثار بمنطقة مكة المكرمة[/COLOR][/ALIGN]