المحليةالمقالات

إنسان مكة 1-4

[COLOR=crimson]إنسان مكة 1[/COLOR]

إنما اخترت لكم هذا العنوان ( [COLOR=blue]إنسانُ مكةَ [/COLOR]) لما في إضافة الإنسان إلى مكة من المزية والاختصاص على غيره من الناس ؛ ولأنه بهذه الإضافة يكتسب من الجلال والكمال الإنساني ما يجعله في قمة الأنسنة البشرية .

هذا الجلال والكمال الإنساني الذي يكسو إنسان مكة ، إنما اكتسبه من سكناه مكة ، ومجاورته للبيت العتيق ، إّذ إنّ لمكة مكانة عظيمة في نفوس الناس كلهم ، مسلمهم وكافرهم برّهم وفاجرهم على حدِّ سواء ، للأسبقية التأريخية للكعبة المشرفة المذكورة في قوله تعالى { إنّ أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين } آل عمران 96.

وإنسان مكة يسكن بقعةً أسّست على توحيد الله وإفراده بالعبادة والتقديس كما قال تعالى { وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهّر بيتي للطائفين والعاكفين والرّكّع السجود } البقرة26، وهذه الآية فيها تقريع وتوبيخ لمن عبد غير الله وأشرك به من سكّانها لأنها أسست من أول يوم على توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ، كما يقول ابن كثير رحمه الله ..

وإنسان مكة يجاور بيتاً مؤسّساً على التقوى والرضوان { أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خيرٌ أمّن أسّس بنيانه على شفا جرفِ هارٍ فانهار به في نار جهنم ؟ والله لا يهدي القوم الظالمين } التوبة109، فأول من تنطبق عليه معاني هذه الآية هو إنسان مكة الذي أسس بنيان إنسانيته وحياته على قاعدةٍ قيميةٍ قويةٍ محكمةٍ فهو خير ممن أسسه على قاعدة ضعيفةٍ من الباطل .

وإنسان مكة يعيش على أرض طاهرةٍ ارتضاها الله عزّ وجل لإقامة بيته وولادة نبيه وإنزال وحيهِ واحتضان دينهِ فكانت كمثل جنة بربوة أصابها وابل فأتت أكلها ضعفين .
يقول ابن القيم عليه رحمة الله – وهو يعلّل هذا المعنى : ومن هذا اختياره سبحانه وتعالى من الأماكن والبلاد خيرها وأشرفها ، وهي البلد الحرام …. ومن خصائصها كونها قبلةً لأهل الأرض كلهم ، فليس على وجه الأرض قبلة غيرها …. ومن خصائصها أنها لا يجوز دخولها لغير أصحاب الحوائج المتكررة إلاّ بإحرام …ومن خواصّه [ البلد الحرام ] أنه يعاقب فيه على الهمّ بالسيئات ، وإن لم يفعلها … فالله كم لها من قتيل وسليبٍ وجريحٍ ، وكم أنفق في حبّها من الأموال والأرواح ، ورضي المحب بمفارقة فلذ الأكباد والأهل والأحباب ، والأوطان … وهذا كله سرّ إضافته إليه سبحانه وتعالى بقوله { وطهر بيتيَ } [الحج26] وإنسان
مكة يعيش حياةً اجتماعية طيبة في حرمٍ آمنٍ ليس كأمن سائر البلدان ، بل لهذه البقعة أمن تكوينيٌ قدريٌ مضمونٌ مكفولٌ من ربّ العالمين للمكان وللساكن ؛ حتى إن الله تعالى امتنّ به على إنسان مكةَ وأهلها فقال { أولم نمكّن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كلّ شيء رزقاً من لدنّا! } القصص57، وقال تعالى { أولم يروا أنّا جعلنا حرماً آمناً ويتخطّف الناس من حولهم }العنكبوت67 ، وقال جلّ شأنه { وإذ جعلنا البيت مثابةً للناس وأمنا ..}

إنّ استجابة الله عز وجل لدعوة إبراهيم عليه السلام { ربّ اجعل هذا بلداً آمناً } البقرة 126، و{ وربّ اجعل هذا البلدَ آمناً } إبراهيم35 تدلّ على ضمانٍ إلهيٍ لإنسان هذه البلد بالأمن الشامل والكامل ، وهذا ما يعزّز في إنسان مكة الحرص على تحقيق الأمن المطلوب منه كمسؤولية بشرية أوكلها الله إلى كلّ من سكن هذا الحرم ، ومن تتبّع التاريخ يعرف أن الحرم لم يتعرّض لعدوان خارجي أجنبيٍ على مدى الأزمان ، بل إن واقعة الفيل تقرأ للعظة والعبرة إلى يوم القيامة ، ولا تخفى على ذي لبٍّ .

والكمال الإنساني لإنسان مكة يتجلّى في عيشه في أمن وأمان وسلامةٍ وإسلامٍ وبركاتٍ من الطيبات ، فهو يعيش بين جبالها وشعابها مطعم من الجوع آمن من الخوف ، لذا أحبّها إنسانها الكامل وسيد الرّسل الكمّل عليهم الصلاة والسلام فقال : والله إنك لخير أرض الله ، وأحب أرض الله ، فكان عليه الصلاة والسلام يبرُّ أهلها وساكنيها فقد قال لأهلها – وهم أعداؤه وقتئذٍ – : اذهبوا فأنتم الطلقاء ، بل كان يرحمهم ويخشى عليهم من الافتتان حتى بعد دخولهم في دين الله أفواجاً ؛ إذ لم يُعِد بناء الكعبة على قواعد إبراهيم عليه السلام رحمةً بهم ..

وقد جمع عليه السلام معاني الكمال الإنساني في خطبته في حجة الوداع التي حرّم فيها دم المسلم وماله والربا ، ودعا الرجال بالرفق والخيرية بالنساء ، والمساواة بين الناس والمحافظة على الأنساب ..
فهنيئاً لإنسان مكة هذا الكمال والجلال !!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى