قيام جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد” باغتيال العالم النووي الإيراني مسعود علي محمدي، ومن قبل نجاحها في اغتيال ماجد شهرياري واستهداف فيريدون عباسي داواني، يسلط الضوء على جرائم إسرائيل العديدة، القديمة والجديدة ضد علماء الأمة العربية والإسلامية، واستهدافها لهم في كل مكان، وتصفيتها لهم بطرقٍ ووسائل شتى، وتكشف عن محاربتها للعقول العربية والإسلامية مخافة أن يحققوا سبقاً علمياً يخل بالتفوق الاستراتيجي الإسرائيلي على دول المنطقة كلها، فهي ترتكب جرائمها بصورةٍ منظمة في ظل صمتٍ وتواطؤ دوليٍ فاضح، وتكتمٍ عربيٍ رسميٍ مريب، يتعمد إخفاء حقيقة الجرائم الإسرائيلية، ويسكت عن ملاحقة المجرمين والقتلة، ويعجل في تدوين الجرائم ضد مجهولين، رغم أن كل الأدلة والبراهين والبصمات تدل بصورةٍ قاطعة لا لبس فيها بأن المجرم القاتل هي إسرائيل عبر ذراعها الأمنية الخارجية “الموساد”، وتذكرنا جريمتها الأخيرة في إيران باغتيال عالمة الذرة المصرية سميرة موسى، وعالم الذرة سمير نجيب، وعالم الفيزياء سعيد بدير، والباحث في مجال الطاقة النووية عبده شاكر، والعالمان يحيى المشد ومصطفى مشرفة، والعالم النووي نبيل أحمد فليفل وغيرهم كثير ممن قتلوا في ظروفٍ غامضة، أو نتيجة لانفجار طرودٍ بريدية، أو تعرضهم لسمومٍ غريبة، أو مقتلهم في حوادث طرق واصطدام سياراتهم بشاحناتٍ كبيرة، أو تدهور سياراتهم من فوق الجبال إلى الأودية السحيقة.
إسرائيل تخشى العلماء، وتخاف من قدرتهم على متابعة الدراسة والأبحاث، وتتخوف من إمكانية توصلهم إلى نتائج علمية عسكرية وسلمية تضر بالمصالح العليا للدولة العبرية، وتحقق توازناً عسكرياً وعلمياً معها في المنطقة، لهذا فهي تلاحقهم، وتتجسس عليهم، وتجمع عنهم كل المعلومات المتعلقة بهم، البسيطة والكبيرة، الشخصية والعامة، وتتقرب من الأوساط القريبة واللصيقة بهم، وتحاول أن تؤثر في محيطهم القريب، لتتمكن من معرفة أدق التفاصيل المتعلقة بهم، قبل قيامها باغتيالهم وتصفيتهم جسدياً، لتضمن إقصاءهم عن الحياة، وإبعادهم عن المختبرات، وإنهاء مشاريعهم العلمية، وطموحاتهم الوطنية والقومية، وقد اكتسبت إسرائيل في حربها القذرة خبرةً واسعة في استهداف العلماء خارج حدودها، وأصلت لعملياتها الأمنية بصورةٍ أعمق من عمليات استهداف القادة والمقاومين.
كثيرةٌ هي الأسماء التي تمكنت إسرائيل من شطب سجلاتها من الحياة، وكثيرون هم العلماء الذين تمكن جهاز الموساد الإسرائيلي من اصطيادهم وتصفيتهم أو اختطافهم وتغييبهم، في الدول العربية والإسلامية وخارجها، وهم مزيجٌ من العرب والمسلمين، ولكنهم يشتركون جميعاً في صفاتهم العلمية، فهم نابغين في علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات وعلوم الحياة، ومختصين في علوم الفيزياء النووية وعلوم الذرة، والهندسة النووية وتكنولوجيا الصواريخ والدفع النفاث والتقنيات الكيميائية والجرثومية، وأنظمة التوجيه وأشعة الليزر والسبائك المتقدمة، فالكيان الصهيوني يدرك أن معركته ليست مع الفلسطينيين فقط، وإنما هي مع العالمين العربي والإسلامي، فكلاهما يسعى لتحرير فلسطين، وتخليصها من الاحتلال الإسرائيلي لها، ومن أجل هذا الهدف تتكاثف كل الجهود العربية والإسلامية لتحقيقه، ويعمل لها العلماء كما الرجال المقاومون في ميادين القتال وجبهات المقاومة.
ولم تستهدف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية فقط العلماء العرب والمسلمين، الذين يعملون على تطوير قدرات الأمة القتالية والدفاعية، بل استهدفت وقتلت عدداً من العلماء والخبراء الأجانب الذين كانوا يعملون في مختبرات ومفاعلات عربية وإسلامية، وكانوا يساعدون أبناءها لتطوير قدراتهم وتأهيلهم علمياً للحصول على القدرات النووية السلمية والعسكرية، واستطاع جهاز الموساد أن يخيف العديد من العلماء والخبراء الأجانب، ويمنعهم من العمل في الدول العربية والإسلامية خشية القتل.
لا يخفي الإسرائيليون حربهم ضد علماء الأمة العربية والإسلامية، فهم يعلنون أنهم يستهدفون المشاريع العلمية، والطموحات النووية، والعقول المتطلعة نحو السبق والتميز، وأنهم يطاردون العلماء العرب والمسلمين في كل مكان، ويلاحقونهم في كل البلاد، ويتابعون دراساتهم وأبحاثهم وجهودهم الفردية والمشتركة مع آخرين، وأنهم لن يتأخروا في تصفيتهم وقتلهم، وإنهاء مشاريعهم، فهم أهدافٌ مشروعة لهم، وأعداءٌ مفترضون، ومقاتلون حقيقيون، إذ أنهم يشكلون خطراً وجودياً على أمن إسرائيل ومستقبلها، ويعرضون حياة مواطنيها واستقرار مصالحها للخطر، وهي تمهد لهذه الحرب وتخطط لها، وتعلن من حينٍ لآخر عن نتائجها، وتذيع على مواطنيها مفاخرةً حجم الأهداف التي حققتها، والأخطار التي تمكنت من درءها جراء تصفيتها لبعض العلماء والباحثين، فهي حربٌ مفتوحة الساحات ولا حدود لها، وهي حربٌ رسميةٌ منظمةٌ ومعلنة وإن كانت سرية في وسائلها وخططها وآليات تنفيذها.
إسرائيل تخشى العلماء وتحسب لهم ألف حساب، وتعتبرهم أكثر خطراً عليها من المقاومين الذين يحملون البندقية، ويزرعون العبوة، ويطلقون الصواريخ، فهم في مختبراتهم قادرين على تطوير كل أنواع الأسلحة، وتمكين المقاومة من الوصول إلى أهدافٍ بعيدة، وتهديد العمق الإسرائيلي، بل إنهم قادرين على صناعة أسلحة جديدة، تكون في متناول أيدي المقاومة بكثرة، دون حاجةٍ إلى استيرادها أو تهريبها، فلا تنضب ولا تقل كمياتها، ولا يخشى المقاومون من نفاذها وانتهاء مخزونها مهما اشتد الحصار، وتعقدت وسائل الرقابة والمتابعة، ولهذا فإن استهداف الموساد الإسرائيلي للعلماء، هو بمثابة استهدافٍ لعيون السلاح ومصادر القوة، ونبع المقاومة والصمود.
السياسة الإسرائيلية التي تستهدف القدرات العربية والإسلامية ماضية في كل السبل، ولا تتوقف في ظل الحرب والسلام، ولا تستثني مؤامراتها وعملياتها التجسسية الدول التي تعلن الحرب عليها، أو تلك التي وقعت معها اتفاقيات سلام، وهي ماضية في كل الاتجاهات، تدمر المشاريع الناشئة، وتقصف المنشآت القائمة، وتحرق المختبرات، وتدمر وتسقط الطائرات، وترسل الفيروسات والديدان، وتخرب الأجهزة والمعدات، وتفشل البرامج وتحبط التجارب، وتقتل الخبراء والعلماء، وتحاصر الدول وتؤلب المجتمع الدولي عليها، وتفرض عليها رقابة علمية وتقنية، وتفتش السفن الواردة إليها والخارجة من مياهها الإقليمية، وتحارب الطلبة العرب والمسلمين في الجامعات الأوروبية والأمريكية وتضيق عليهم، وتستغل انتماءاتهم وأصولهم للتحريض عليهم، وتوجيه الاتهامات ضدهم، وتمنعهم من الالتحاق بالعديد من التخصصات العلمية، وفي حال تمكنهم من الالتحاق ببعض التخصصات، فإنهم لا يسمحون لهم بالنجاح والتخرج، لييأسوا ويغيروا تخصصاتهم، فهي لا تتوقف عن القيام بأي عمل من شأنه حرمان العرب والمسلمين من تحقيق التميز العلمي والتقني.
لن تتوقف إسرائيل عن استهداف علمائنا وقادتنا ومقاومينا، وستبقى خشيتهم منهم ساكنة في قلوبهم، وبادية على سلوكهم وجوارحهم، ومسيطرة على نفوسهم وحياتهم، ولكن الأمة العربية والإسلامية مازالت بخير، وهي قادرة على إنجاب وتنشئة وتعليم الكثير من العلماء، الذين سيواصلون العمل الجاد، وسيمضون في ذات الدرب، يكملون المسيرة، ويتابعون المشوار، ليحققوا الأمنية ويصلوا إلى الهدف والغاية، أمة عربية خالدة، قوية وقادرة، مهابة الجانب، عصية على الإذلال والإهانة، وقادرة على حيازة نواصي العلم وامتلاك القوة واستعادة الحق.