فكم من شخص ترنوا إليه الأبصار وتمتد نحوه الأعناق وتتعلق به الآمال وقف أمامه المضلوم تكاد تنفطر مرارته وتذهب نفسه حسرات ويترقب من هذا الرجل أن يقضي قضاءً عاجلاً سديداً يكشف به ظلاحته ويروي غلبته ويعظمهه من الجوار .
فإذا ذلك الشخص المخدوع عن نفسه المعتر قد لعبت به يد الهوى وأخذ بالظنة ولم يطرق باب اليقين وجعل نفسه قاضياً في أمور لا يفهمها في الأحكام ففتح فاه بقول ظالم وخطر فادح .. فأمات بفعله سفن العدل وأحياء معالم العسف وظل مناهج السداد ، الفصل بين الناس يحتاج إلى خبرة ومعايشة رجال القضاء لأن هذه الأمور تحتاج إلى طلب الحقيقة من وجهها في إستخراجها من مكانها ، فلا يغره ما قد يدلي به أحد الخصمين من بديع القول وزخرف الحجة أو ستعير لساناً غير لسانه فيولج به الحق في الباطل ويولج الباطل في الحق ويكتم الحق وهو به عليم .
وهو يعتمد في أحكامه على شكله وهامته وماذهب به بعض الناس في الاختيار الذي يكون مبنياً على هيكل الرجل .
وأقول لو أن هذا الذي قد نصبه بعض المنافقين في تولي الفصل أو الصلح بين الناس قد فحص قضيته التي ينظرها فحص خبير مدقق لظهر له ومنح اليقين وتألق برق الصواب وقرن بالصواب تدبيره .
وأبرم بالسداد أموره وأعطى كل ذي حق حقه فكسب جميل الأجر وحميد الشكر مهما بلغ الظن من النفس وتمكن من القلب فإنه عرضه للخطاء ومحل للنقص .
فكثيراً ما عدى الحازم عن رأيه وثاب إلى غيره بعد أن كاد لا يسمع لناقد قوله .
وبعد فهذا سنن الراشدين وطريق المستقيمين ومحجة العادلين وأعظم خطراً أن ينطلق الإنسان عن الهوى ولا يبالي أصاب أو غوى .
ثم لنعلم أن الواثق بظنه واهم وأنه لا بد لمريد العدل من طلب اليقين وأن أفضل زاد إلى المعاد والحكم بالعدل بين العباد .
وقالوا كن من الكريم على حذر إذا أهنته ومن اللئيم إذا أكرمته ومن العاقل إذا أحرجته ومن الأحمق إذا مازحته ومن الفاجر إذا عاشرته ..وبئس للظالمين بدلاً .