أ.د. عبدالله عيضة المالكي

صفات العظماء وسمت العلماء

ليس عيباً أن تتعلم ممن هو أصغر منك سناً أو أقل منك علماً ، أوأدنى منك مقاماً ومكاناً.
فرب حامل علم إلى من هو أعلم منه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهي له.

تكلم الهدهد وهو طير فسمع له سليمان وهو نبي ، وتكلمت النملة وهي حشرة فتعجب من قولها سليمان وهو نبي.

حدّث الإمام أبو حنيفة النعمان رحمه الله عن نفسه فقال :
أخطأت في خمسة أبواب من المناسك بمكة فعلمنيها حجّام.
وذلك أني أردت أن أحلق لأخرج من الإحرام. فأتيت حلاقاً وقلت : بكم تحلق لي رأسي ؟
قال الحجام : هداك الله ، النسك لايشارط فيه . اجلس وأعط ما تيسر منك..
قال أبو حنيفة : فخجلت وجلست.
غير أني جلست منحرفا عن القبلة.
فأومأ لي باستقبال القبلة ، ففعلت وازددت خجلا .
ثم أعطيته رأسي من الجانب الأيسر ليحلقه
فأشار إلي الحجام أن أدر شقك الأيمن
فأدرته.
وجعل يحلق رأسي وأنا ساكت أنظر إليه وأعجب منه.
فقال الحجّام : مالي أراك ساكتا ؟
كبّر …
قال أبوحنيفة : فجعلت أكبّر حتى قمت لأذهب لحل احرامي .
فقال الحجام : إلى أين تريد ؟
قلت : أريد أن أمضي الى رحلي.
فقال الحجام : صلّ ركعتين ثم امض إلى حيث تشاء ، فصليت ركعتين وقلت في نفسي ماينبغي أن يقع مثل هذا من حجام إلا أن يكون ذا علم.
فقلت له : من أين لك ما أمرتني به من مناسك ؟
قال : لقد رأيت عطاء بن أبي رباح يفعله فأخدته عنه ووجهت الناس اليه.

هكذا هم الكبار في تواضعهم وسمتهم وأدبهم لأخذ العلم ممن معه علم ولوكان قليلاً ، ولوكان حامله بسيطاً لايُعبأبه.
فلاتأخذهم العزة بالإثم في ذلك ، ولايستنكفون ولايستكبرون في الأخذ به.
فبلغوا بذلك المجد والسؤدد.

يقول التابعي الجليل الفقيه المكي عطاء بن أبي رباح الذي تعلم منه هذا الحلاّق : إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني أسمعه لأول مرة ، وأنا قد سمعته قبل أن يولد.

رحمهم الله.
فليكونوا لنا قدوة.
فإنهم أئمة ونحن لهم تبع.

أ.د. عبدالله عيضه المالكي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى