د. فاطمة عاشور

اخترت معيتي

(كل متوقع آت) .. مقولة تلخص عبقرية فكر رابع الخلفاء الراشدين حيث تضع لك منطقا تؤسس على حيثياته نظرتك للدنيا و تناولك لمعطيات الحياة . . مع الأخذ في الاعتبار شعرة معاوية التي تفصل بين معنى التسليم لقضاء الله لما نحن مسيرون فيه و معنى الاختيار لكل ما جعله الله مقصودا وفق سعيك و ميولك. . هناك ذلك التصور الذي يعنى بضرورة التفاؤل و التوقع الحسن حتى يبدو الأمر وكأنه صورة تكتمل حسب الخط الأخير الذي ترسمه ريشتك
فاختر مستقبلك وفقا لتوقعاتك .. و كيف يمكنك ذلك .. ب(حسن اختيار المعية )..
معية من ؟ معية الرضا عن الخالق فتوهب رضاه عنك كمخلوق .. معية اكتساب التفاؤل و الاستبشار بدلا من التطير و التشاؤم .. معية الفكر الإيجابي البناء بدلا من الفكر السلبي الهدام .. المعية امر هام جدا يحدد مدى نجاحك في حياتك و تحقيقك لأهدافك..
في ذلك الغار المهيب و تلك اللحظات المترقبة و قلبان هما الأعظم بين قلوب البشر يخفقان بحب الله و نصرة دعوته، قالها خير رجال البشرية الصادق الأمين (لاتحزن إن الله معنا) تلك المعية بالنصر و التأييد و السكينة التي أنزلها المولى على قلب أبي بكر كما قال بعض المفسرين كون الرسول السكينة لم تزل معه و لم تفارقه فاكتملت السكينة لديهما معا .. أعظم صديقين في تاريخ البشرية اختارا معية الله فكان الله معهم فاطمأنوا .. إنه (حسن اختيار المعية )
و ذلك الرسول المطارد الذي تقدم قومه هاربا من بطش فرعون و يئس القوم حين وجدوا أمامهم البحر و خلفهم الطاغية فصاحوا إنا لمدركون وهنا جاء الجواب الذي يحدد كلمة الفصل (كلا إن معي ربي سيهدين) .. تأكيد برفض الخذلان و الهزيمة والهلاك .. يتبعها تبرير ذاك الإصرار القاطع بالرفض حيث أن موسى في معية الله ، تلك المعية التي ستهبه أدوات الرشد و كنوز الهداية و الإرشاد .. تلك المعية التي انقذته و قومه فصار البحر يبسا في معجزة لم و لن تتكرر ..
إنه ( حسن اختيار المعية )..
و ذاك الذي استحكمت عليه حلقات الضائقة و كل من ضاقت عليه أرضه بما رحبت و ضاقت عليه نفسه … هناك معية الاقتران بين العسر و اليسر .. حقيقة قررها القرآن في قوله تعالى (إن مع العسر يسرا) و يأتي اليسر بمعية تسبقها بأن يلتزم المكروب الصبر و الدعاء و الرجاء و التوكل والأخذ بالأسباب .. معية خماسية إن أحسن المعسور تبنيها جاءه اليسر سريعا و من حيث لايحتسب ..
فقط (احسن اختيار معيتك) بدلا من الحزن و اليأس و الجزع و الإضرار و اللجوء لغير الله ..
حتى في الزواج و نجاحه الأمر منوط باختيار معيتك بتوفيق الله في هذه الشراكة .. حتى في الصداقة و المودة تحرى اختيار الصديق الصدوق الذي يكون معك في كل حال من شدة و رخاء ..
حتى ذاتك التي بين جنبيك عليك أن تختار معيتها فتصادقها و قد تأنس بها و قد تعيش عمرك مجافيا لها و مخالفا .. و هنا يكون في معيتك عدو يؤذيك بين جنبيك و لا تجد منه فرارا . .
في قبرك معية أيضا .. اختر بين ظلمة و عذاب و نور و سرور و أنس .. اختر معيتك من هذه الدار .. دار الدنيا .. فعملك الصالح و حسن رجائك بالله و رحمته يحددان تلك المعية و ماهيتها ..
و لهذا فالمعية هي جنتك و نارك في كل أمر من أمور الدنيا أو الآخرة ..
أو تعلم أن هناك أمور بسيطة قد تجعلها في معيتك و تغير مسار حياتك .. مثل مصحف دائم تحمله و تقرأه … أو كتاب نافع تتصفحه.. او صديق في الله تجالسه .. أو حلوى متناثرة في حقيبتك تسعد بها طفلا و بالغا.. أو كلمة طيبة تخرجها فتستظل بفيئها كشجرة أصلها ثابت و فرعها في السماء ..
أفلا أخصك بمعرفة أجمل معية ؟!
ابتسم … فالابتسامة معك و لك و بك ومنك وإليك جمال لا ينقطع و لا ينفد ..

وهج :
قال حظي معي اليوم يكفيني ..
قلت و ما حظك !
ربما تبلى
و حظك لا يفيد ..

قال مالي جاوز الحد يحميني. .
قلت : ما مالك !
قد يخلد المال
و أضحيت الفقيد ..

قال جاهي وشاني يمنحني
و يعطيني ..
قلت و ما جاهك !
اذا ما انتهى جسد
إلى قبر وحيد ..

قال صحبتي عن الأحباب تغنيني..
قلت ما أكثر الأصحاب
في عز و في أنس
و في الضر شريد ..

بل قل إن معي ربي سبهديني. .
تملك الدنيا و ترضى
و تولد من جديد ..
د. فاطمة عاشور

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اسأل الله عز وجل لك التوفيق والنجاح
    كم هو ممتع القراءة لمصطلحات لها من المعاني الكثير الكثير
    اسأل الله ان يحشرنا الله ونكون ( في معية ) نبينا وحبيبنا وقرة اعيننا
    سيدنا محمد صلي الله علية وسلم وعلي أهل بيته الطيبين الطاهرين ومعنا معه برحمتك يا ارحم الوحمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى